السبت، 27 ديسمبر 2025

النفاق… النافذة المطلة على خبث البشر:

🖊/م.عماد سمير 
النفاق ليس مجرد خُلُقٍ سيئ، بل هو نافذة مفتوحة نطلّ منها على أعمق زوايا النفس البشرية ظلامًا، حيث تختلط الأقنعة بالابتسامات، وتتحول الكلمات إلى أدوات خداع ناعمة، لا تجرح ظاهرًا لكنها تُسمّم المعنى.
النفاق هو أن تقول ما لا تؤمن به، وأن تُظهر غير ما تُبطن، وأن تجعل من الأخلاق ديكورًا، ومن المبادئ أزياءً موسمية تُلبس عند الحاجة وتُخلع عند أول مصلحة. هو الجريمة التي لا تُكتشف بسهولة، لأنه لا يحمل سكينًا، بل يحمل لسانًا مُعسولًا.
النفاق كآلية بقاء
في جوهره، النفاق ليس دائمًا وليد الشر الخالص، بل أحيانًا وليد الخوف:
الخوف من الرفض، من الخسارة، من العزلة، أو من سلطة أقوى. هنا يصبح النفاق مهارة اجتماعية، وسلوكًا دفاعيًا، لكنه مع التكرار يتحول من قناع مؤقت إلى وجه دائم لا يعرف صاحبه ملامحه الحقيقية.
حين يصبح الكذب أسلوب حياة
أخطر ما في النفاق أنه لا يكتفي بخداع الآخرين، بل يبدأ بخداع صاحبه. المنافق لا يكذب فقط، بل يُعيد صياغة الحقيقة داخل عقله حتى يصدقها. ومع الوقت، يفقد القدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو نافع، بين ما هو صواب وما هو مُربح.
وهنا يولد الخبث:
الخبث الذي لا يصرخ، لا يهدد، لا يواجه… بل يبتسم، يبارك، ويُجيد لعب دور الضحية إن لزم الأمر.
النفاق في العلاقات
في العلاقات الإنسانية، النفاق هو السم البطيء.
صديق يُجامل نجاحك ويتمنى سقوطك،
قريب يدّعي الحرص ويغذّي الفشل،
زميل يبتسم أمامك ويطعن صورتك خلفك.
النفاق لا يهدم العلاقات فجأة، بل يُفرغها من معناها، حتى تصبح مجرد هياكل خاوية من الصدق.
لماذا نكره المنافق؟
لأن المنافق يُشعرك بأن العالم غير آمن.
لا يمكنك أن تثق في كلماته، ولا في مواقفه، ولا حتى في صمته. هو شخص بلا مركز، بلا ثبات، يتحرك حيث تميل الكفة، لا حيث يقف الحق.
نكره المنافق لأنه يُذكرنا بإمكانية الخيانة الكامنة في البشر، وبأن الشر أحيانًا لا يأتي في صورة وحش، بل في هيئة إنسان “لطيف”.
الصدق… الفعل الثوري
في عالم يمتلئ بالنفاق، يصبح الصدق فعلًا ثوريًا.
أن تقول ما تؤمن به، حتى لو خسرت.
أن تلتزم بمبدأ، حتى لو دفعت ثمنه.
أن تكون واضحًا، لا مثاليًا.
فالصدق لا يجعلك محبوبًا دائمًا، لكنه يجعلك حقيقيًا… وهذا أثمن.
الخاتمة
النفاق نافذة نرى منها خبث البشر، نعم، لكنه أيضًا مرآة تُجبرنا على سؤال أنفسنا:
كم مرة نافقنا؟
كم مرة صمتنا عن الحق؟
كم مرة لبسنا قناعًا كي ننجو؟
الفرق بين الإنسان والمنافق ليس غياب الخطأ، بل القدرة على الاعتراف به.
فالأقنعة قد تحميك مؤقتًا، لكنها في النهاية تخنقك… ببطء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot