على انتخابات مجلس النواب المصري 2025 !!!!
بقلم : ماهر حسن مفتاح
كاتب صحفي وخبير في الاقتصاد السياسي
بين هندسة الانتخابات ووعي القيادة… ودروس لا يجب تجاهلها
لم تكن التطورات الأخيرة المرتبطة بانتخابات مجلس النواب المصري 2025 مجرد إجراء إداري عابر ، بل شكّلت لحظة سياسية كاشفة تستحق التوقف والتحليل . فالتدخل الرئاسي – الذي فُهم سياسيًا باعتباره فيتو تصحيحيًا على مسار انتخابي كان يتجه إلى أزمة مكتملة الأركان – جاء ليؤكد أن القيادة السياسية ، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي ، استشعرت الخطر قبل اكتماله ، وإن كان التدخل قد جاء متأخرًا نسبيًا .
السياق العام :
ما قبل الفيتو كما تناولنا في المقالات السابقة المرتبطة بالانتخابات ، فإن غياب المواطن عن المشهد الانتخابي لا يخلق فراغًا فقط ، بل يسمح بتمدد ثلاثة أخطار متلازمة :
1 . الهندسة الانتخابية المسبقة .
2 . تضخم دور المال السياسي .
3 . إفراغ العملية الديمقراطية من مضمونها الشعبي .
انتخابات 2025 شهدت – وفق البيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة الوطنية للانتخابات ووزارة الداخلية – انخفاضًا ملحوظًا في نسب المشاركة مقارنة بالاستحقاقات الدستورية التي تلت 2014 ، مع تسجيل عدد كبير من المحاضر الانتخابية المرتبطة بمخالفات دعائية ومالية ، وهو ما يعكس مناخًا هشًا يسمح بالتلاعب لا بالمنافسة .
الهندسة الانتخابية وخطر التاريخ
اللافت أن ما جرى أعاد إلى الأذهان انتخابات مجلس الشعب 2010 ، التي أُديرت بهندسة سياسية مغلقة ، وأُقصيت فيها المنافسة الحقيقية ، ما أدى إلى غضب شعبي مكتوم انفجر بعد شهور قليلة في ثورة يناير 2011 .
الخطورة هنا ليست في التشابه الشكلي ، بل في المنطق السياسي ذاته :
قوائم شبه مغلقة
أحزاب محدودة تحتكر المشهد
أكثر من 250 مقعدًا جرى إعدادهم انتخابيًا وفق معادلة
“ النجاح المضمون ”
نظام القائمة المطلقة الذي يسمح بالفوز الكامل حتى مع نسب حضور ضعيفة للغاية .
هذا النمط – من وجهة نظر تحليلية – لا يراهن على المواطن ، بل يراهن على غيابه ، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام المال السياسي وتحالفات النفوذ .
قراءة الرئيس للمشهد
التدخل الرئاسي في هذا التوقيت يعكس قراءة سياسية واعية للمسار الذي كانت تتجه إليه الأمور . فالرئيس عبد الفتاح السيسي بحكم خبرته السياسية والأمنية يدرك أن :
الغضب الشعبي لا يظهر فجأة .
الشرعية لا تُقاس فقط بالنصوص الدستورية .
البرلمان الضعيف شعبيًا يتحول إلى عبء على الدولة لا سند لها .
ومن هنا جاء التدخل لإنقاذ نصف المجلس بعد أن كانت هندسة النصف الأول قد اكتملت فعليًا عبر القائمة الوحيده ، في محاولة لاحتواء الموقف ومنع الوصول إلى نتائج “ لا يُحمد عقباها ” .
متأخر… نعم، لكنه ضروري
من الإنصاف القول إن هذا التدخل جاء متأخرًا نسبيًا ، وكان من الممكن تجنب جزء كبير من الأزمة لو تم تصحيح المسار قبل انطلاق العملية الانتخابية .
لكن السياسة لا تُقاس بالمثاليات ، بل بالنتائج ، وأن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا .
ما الذي تؤكده هذه الواقعة ؟
هذه اللحظة السياسية تؤكد – عمليًا لا نظريًا – ما طرحناه في المقالات السابقة :
كلما غاب المواطن ، فسد المسار .
كلما ضعفت المشاركة ، تمدد المال السياسي .
كلما صمت الناس ، نجحت الهندسة الانتخابية .
والعكس صحيح تمامًا :
نزول المواطن بكثافة هو الحائط الصد الحقيقي ضد التزوير ، وضد المال السياسي ، وضد أي محاولة لاختزال الدولة في نخبة مغلقة .
اوهنا نقول رسالة إلى المستقبل
الفيتو الرئاسي ليس نهاية الأزمة ، بل فرصة أخيرة للتعلّم.
فرصة لإعادة بناء العملية الانتخابية على أساس :
مشاركة واسعة
منافسة حقيقية
قواعد عادلة
وتشجيع المواطن لا إقصائه
ديمقراطية بلا مواطنين حاضرين ، هي مجرد إجراء شكلي .
أما الديمقراطية التي يحميها الناس بأعدادهم ووعيهم، فهي وحدها القادرة على خدمة الدولة والشعب معًا .
و هنا في الختام ، يبقى توجيه الشكر
للرئيس عبد الفتاح السيسي
على قراءته للموقف السياسي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، مع التأكيد أن الإصلاح الحقيقي يبدأ مبكرًا… قبل أن تتراكم الأخطاء، وقبل أن يعيد التاريخ تذكيرنا بدروسه القاسية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق