بقلم : ماهر حسن مفتاح
كاتب صحفي وخبير في الاقتصاد السياسي
في ليلة ثقافية استثنائية داخل قصر الأمير طاز بالقاهرة ،
انعقدت ندوة بعنوان
“ الحضارة المصرية بين الحقيقة والخيال ” برعاية مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث ،
وبإدارة الإعلامي البارز حمدي رزق الذي قاد الحوار باقتدار بين نخبة من رموز الفكر والآثار .
بدأت الندوة بمداعبة لطيفة من حمدي رزق للدكتور زاهي حواس ،
الذي كان جالسًا وسط الحضور ولم يرغب في الصعود للمنصة،
احترامًا لمن كُلّفوا بالمحاضرة .
لكن أسلوب رزق الهادئ دفعه للصعود كمعلّق ،
قبل أن يتحول لاحقًا إلى محور أساسي في النقاش .
وكانت لحظة اشتعال الحوار عندما
وجّه حمدي رزق سؤالًا مباشرًا للدكتور وسيم السيسي حول بعض الجدليات التي نُسبت إليه ،
وتحديدًا الطرح الذي يزعم أن “ الأهرامات بنيت على يد كائنات فضائية ” .
استشهد وسيم السيسي بكتاب يروّج لهذه الأفكار ،
وقرأ منه ليوضح وجهة النظر المتداولة ،
مؤكدًا أنه لا يتبنّى الطرح لكنه يعرضه للنقاش .
إلا أن هذا الطرح فجّر ردودًا قوية من الضيوف .
وهنا ظهر موقف
د . زاهي حواس… الحسم العلمي
و تدخل د . زاهي حواس بصرامة علمية واضحة ،
مؤكدًا أن هذه الكتب
“ لا قيمة لها، ومصيرها مزبلة التاريخ ” ،
وأن الاستناد إليها كمرجع يُعد إهانة للحضارة المصرية وتاريخها .
وأوضح أن المصري القديم ترك دلائل قاطعة على عملية البناء :
من مواقع العمال،
إلى الأدوات ،
إلى النقوش التي توثق مراحل العمل ،
وأن المصري القديم لم يترك شيئًا للخيال .
وأشار إلى أن تبنّي أو حتى طرح هذه الأفكار دون سند علمي
يساهم في هدم الصورة الحقيقية للحضارة ،
ويقلل من قدر إنجاز المصري القديم .
و كان ردود باقي الضيوف
فتحدّث معالي الوزير ممدوح الدماطي مؤكدًا أن الكتاب الذي استشهد به وسيم
“ ليس مرجعًا علميًا بأي معيار ” ،
وأن الآثار المصرية لا يوجد فيها ما يشير إلى أي تدخل خارق أو فضائي .
أما د. محمد حسن فأوضح أن الدراسات الميدانية والأثرية
تقدّم تفسيرًا علميًا كاملًا لعملية البناء ،
وأن أي محاولة لإسناد الفضل لكائنات أخرى
هو تجاهل للعلم وتاريخ العمارة المصرية القديمة .
ودعم الأستاذ إيهاب الحضري هذا الاتجاه ،
مستشهدًا بكتابات سابقة لوَسيم السيسي تتضمن آراء اعتبرها
“ غير دقيقة ” ،
وانتقد اعتماده على مصادر غير موثوقة ،
مؤكدًا أن مثل هذه الطروحات تهدم الوعي التاريخي لدى الجمهور .
وهنا ارتباك الدكتور وسيم السيسي ومحاولة توضيح
وجد وسيم السيسي نفسه أمام هجوم علمي مكثّف ،
فأعاد التأكيد أنه ليس مؤمنًا بفكرة الفضائيين ،
وأنه يعرض فقط “ ما يقال ” في الإعلام وأنه ليس متخصصًا في الآثار ،
وإنما مهتم بالحضارة من باب الثقافة العامة .
لكن ردود الحاضرين اعتبرت أن مجرد عرض هذه الأفكار دون تفنيد قوي
يسمح بانتشارها ويزعزع الحقائق التاريخية .
وفي نهاية الندوة
اضطر د. زاهي حواس لمغادرة المكان لارتباط هام ،
لكنه وعد الجمهور بندوة أخرى مخصّصة
لتقديم شرح علمي موثّق لكيفية بناء الأهرامات ،
وتفنيد الادعاءات غير العلمية التي تنتشر بين الناس .
و هنا تبرز أهمية الندوة
ما جرى في قصر الأمير طاز لم يكن مجرد نقاش ،
بل اشتباك فكري بين العلم والخيال ،
وبين منهجية الأثر ورغبة بعض الأصوات في تقديم سرديات جذابة بلا سند .
وقد أثبت الحوار أن الحضارة المصرية
لا تحتاج إلى فضائيين ولا قوى فوق بشرية ،
بل تحتاج فقط إلى قراءة ما تركه المصري القديم :
من نقوش، مبانٍ ، طرق قطع الحجارة، تنظيم العمل ،
وهو ما يشهد على حضارة بنت نفسها بيد أبنائها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق