بقلم الكاتب ابانوب رفعت سعد
الأزمات تُعيد تشكيل المشهد السياسي: هل نحن أمام مرحلة إعادة ضبط شاملة؟
في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم، تبدو الساحة السياسية وكأنها تدخل مرحلة إعادة ضبط شاملة، حيث تتغير موازين القوى، وتتبدل أولويات الحكومات، ويتراجع تأثير بعض المؤسسات التقليدية لصالح لاعبين جدد أكثر مرونة وحيوية.
1. صدام الأولويات بين الاقتصاد والأمن
لم تعد الحكومات قادرة على الفصل بين الملفات الاقتصادية والأمنية كما كان يحدث من قبل.
فالتدهور الاقتصادي العالمي، وارتفاع نسب التضخم، واهتزاز سلاسل الإمداد، كلها عوامل جعلت الاستقرار الداخلي مرهونًا مباشرة بالأداء الاقتصادي.
هذا الارتباط خلق ضغوطًا هائلة على صانعي القرار، وأجبرهم على تبني سياسات كان يُنظر إليها سابقًا على أنها "اضطرارية" لا "اختيارية".
2. صعود دور المواطن في صناعة القرار
أصبح المواطن اليوم أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على التأثير، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والحراك المجتمعي المتنامي.
لم يعد الجمهور متلقيًا فقط، بل صار شريكًا في صناعة الرأي العام، مما يدفع الحكومات إلى إعادة تقييم أسلوب التواصل معها، واعتماد نهج أكثر شفافية وواقعية.
3. المنطقة العربية: بين التهدئة وإعادة التموضع
تعيش المنطقة العربية حالة من إعادة التموضع الاستراتيجي، حيث تحاول الدول تجاوز سنوات من الصراعات نحو مسارات أكثر استقرارًا.
ومع ذلك، تبقى ملفات الطاقة، وأمن الحدود، والتنافس الإقليمي، عناصر ضاغطة لا يمكن تجاهلها.
ومن الواضح أن التسويات الدبلوماسية أصبحت لغة المرحلة، لكن قوتها تعتمد على مدى صلابة الإرادة السياسية للدول المتفاعلة.
4. التحالفات الجديدة… لغة القرن الجديد
العالم لم يعد قائمًا على المحاور الثابتة.
بل تتشكل تحالفات مرنة، تقوم على المصالح المباشرة لا الأيديولوجيات، وهذا ما جعل الكثير من الدول تتحرك باتجاه تنويع شراكاتها، سواء اقتصاديًا أو عسكريًا أو تقنيًا.
هذا التحول يمثل فرصة للدول التي تدرك كيفية اللعب على توازنات القوة بشكل ذكي.
5. المستقبل: صراع على من يمسك بزمام المبادرة
المرحلة المقبلة لن تكون صراعًا على النفوذ فقط، بل صراعًا على من يملك القدرة على الابتكار السياسي، ومن يستطيع قراءة الواقع الجديد وإنتاج حلول تتوافق مع قواعد لعبة تغيرت بالكامل.
خلاصة
نعيش اليوم لحظة سياسية دقيقة، حيث تتداخل فيها الأزمات وتتسارع التحولات.
ورغم التحديات، فإن إعادة تشكيل المشهد السياسي تفتح نافذة واسعة لإعادة التفكير في نمط الإدارة، وصناعة القرار، وبناء الثقة بين الدولة والمواطن.
ويبقى السؤال الأبرز: هل نمتلك الشجاعة لصياغة مستقبل مختلف؟
---
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق