الاثنين، 29 ديسمبر 2025

حقوق المرأة وحقوق الرجل !! العدالة لا تُبنى على الصراع

بقلم : ماهر حسن مفتاح 
كاتب صحفي وخبير في الاقتصاد السياسي 
أصبحت قضايا حقوق المرأة تحتل مساحة واسعة في الخطاب العام وهو أمر يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية تمكين المرأة وضمان مشاركتها الكاملة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
 ولا خلاف على أن إنصاف المرأة هو أحد مؤشرات تقدم المجتمعات
 وأن أي تمييز ضدها يمثل خللًا أخلاقيًا وقانونيًا يتطلب المعالجة .
غير أن الإشكال الحقيقي لا يكمن في مبدأ الحقوق ذاته بل في الطريقة التي يُطرح بها أحيانًا حين يتحول الخطاب من السعي إلى العدالة إلى تكريس ثنائية الصراع بين الرجل والمرأة وكأن العلاقة بينهما معادلة صفرية لا رابح فيها إلا طرف واحد .
وهنا أقول أنه من منظور ديني أرسى الإسلام قاعدة واضحة مفادها أن الكرامة الإنسانية أصل مشترك قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾
فجعل التكريم شاملًا للمرأة والرجل معًا . كما قرر حقوق المرأة بوضوح في التملك، والتعليم واختيار الزوج وحسن المعاشرة وفي المقابل قرر حقوقًا للرجل تقوم على الاحترام والتقدير وتحمل المسؤولية في إطار من المودة والرحمة .
فالقوامة كما قررها القرآن ليست امتيازًا ولا تسلطًا بل تكليف بالإنفاق والرعاية وتحمل الأعباء وهي مسؤولية يقابلها واجب المعاشرة بالمعروف من الطرفين كما جاء في قوله تعالى :
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ 
وهو خطاب أخلاقي متبادل لا يختص بجنس دون آخر .
و أيضا من الناحية القانونية 
فإن الدساتير الحديثة والمواثيق الدولية تؤكد مبدأ المساواة أمام القانون وتضع الأسرة في موقع الحماية باعتبارها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع . 
لكن الإشكال يظهر حين يُفصل القانون عن سياقه القيمي  أو يُستخدم كأداة نزاع داخل الأسرة بدل أن يكون وسيلة لتحقيق الاستقرار وحماية الحقوق المتبادلة .
إن كثيرًا من الأزمات الأسرية المعاصرة لا تنبع من نقص القوانين بل من خلل في الوعي الحقوقي حين تُطالب الحقوق بمعزل عن الواجبات أو حين يُستدعى خطاب المظلومية لتبرير القطيعة أو العناد أو الصراع النفسي الذي يدفع في النهاية إلى تفكك البيوت وضياع الأبناء .
الفكر التقدمي الحقيقي لا يقوم على إنكار الفوارق الفطرية بين الرجل والمرأة ولا على إلغاء الأدوار بل على إدارتها بعدل وحكمة. فكل طرف له وظيفة اجتماعية وإنسانية وليس في ذلك انتقاص من القيمة أو المكانة بل تكامل يُثري المجتمع ويحقق التوازن .
إن العدالة لا تتحقق حين تنتصر المرأة على الرجل ولا حين يُهمَّش حق المرأة بدعوى الحفاظ على الأسرة وإنما تتحقق حين يُنصف الطرفان معًا ويُنظر إلى العلاقة الزوجية باعتبارها شراكة تقوم على السكن والمودة والرحمة لا على المنافسة وإثبات التفوق .
قال تعالى :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ .
بهذا الميزان المتوازن يمكن للمجتمع أن يحفظ حقوق المرأة كاملة دون أن يهدر حقوق الرجل وأن يبني أسرة مستقرة قادرة على تربية أجيال سوية ويؤسس لعدالة إنسانية لا تقوم على الصراع بل على الشراكة والمسؤولية المشتركة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot