السبت، 27 ديسمبر 2025

«الزار…احتفال الارواح الغاضبة »💀💀

🖊/م.عماد سمير 
في زوايا معتمة من الذاكرة الشعبية، ما زال الزار حيًّا، يتنفس الخوف ويغذّيه بالأساطير. طقس قديم، اختلط فيه الدين بالخرافة، والمرض بالنغمة، والوجع الإنساني بإيقاع الطبول. ليس مجرد رقصة صاخبة أو تجمع نسائي عابر، بل مرآة لعصور كان فيها الإنسان يفسّر ألمه بما لا يفهمه عقله.

الزار في جوهره طقس يُمارَس لطرد الأرواح الشريرة – كما يُعتقد – أو لإرضائها. تُقرَع الطبول، تُشعل البخور، وتدخل الضحية في حالة غياب عن الوعي، بين الصراخ والبكاء والرقص الهستيري. لحظة يبدو فيها الجسد وكأنه مستعار، لا يملكه صاحبه.

لكن السؤال الأخطر: هل كان الزار علاجًا… أم هروبًا؟
علم النفس الحديث يرى في الزار تفريغًا مكبوتًا لضغوط نفسية واجتماعية، خاصة لدى النساء في مجتمعات قاسية، حُرمن فيها من البوح، فوجدن في الطقوس متنفسًا للألم. المرض النفسي كان يُفسَّر على أنه مسّ، والاكتئاب شيطان، والصرع روح غاضبة.

المخيف أن الزار لم يكن بلا ثمن. ذبائح، أموال، خضوع كامل لـ«الكودية» – سيدة الطقس – التي تملك وحدها مفاتيح الرضا والغضب. وهنا يتحول الخوف إلى تجارة، والجهل إلى سلطة، والإنسان إلى ضحية مرتين: مرة لمرضه، ومرة للخرافة.

ورغم التقدم العلمي، ما زالت طقوس الزار تطل برأسها في بعض البيئات، متخفية بثوب التراث. وكأن الخرافة لا تموت، بل تنتظر لحظة ضعف لتعود أقوى.

الزار ليس مجرد طقس قديم… بل سؤال مفتوح:
ماذا يفعل الخوف حين يغيب الوعي؟
وماذا نفعل نحن حين نعجز عن مواجهة الألم بعقلٍ يعرف، فيستدعي أسطورة تُرقصه حتى الإنهاك؟

في النهاية، يبقى الزار شاهدًا على حقيقة واحدة:
حين لا يجد الإنسان تفسيرًا علميًّا لوجعه، يصنع له أسطورة… ويصدقها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot