في الماضي، كان الطلاق قرارًا ثقيلًا لا يُتخذ إلا بعد استنفاد كل محاولات الإصلاح، وبعد صبر طويل ومحاولات متكررة للحفاظ على كيان الأسرة.
أما اليوم، فقد أصبح في كثير من الحالات قرارًا سريعًا، يُنطق به في لحظة غضب أو خلاف عابر، وكأنه حل جاهز لأي مشكلة زوجية. وهنا يفرض السؤال نفسه بقوة: هل تغيّرت الحياة فعلًا، أم تغيّر صبرنا على الحياة؟
لم يعد الطلاق عند البعض نهاية طريق مليء بالمحاولات، بل أصبح أول رد فعل عند أول صدام.
خلاف بسيط، سوء تفاهم، ضغوط نفسية أو مادية، فتُطرح فكرة الانفصال قبل الجلوس للحوار أو البحث عن حلول مشتركة. وكأن العلاقات لم تعد تحتمل الخطأ، ولم يعد الصبر قيمة يُعوَّل عليها في زمن السرعة.
وتتعدد الأسباب التي جعلت الطلاق أسرع من ذي قبل، من غياب الحوار الحقيقي بين الزوجين، إلى الضغوط الاقتصادية التي أثقلت كاهل الأسرة، مرورًا بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من مقارنات غير واقعية، وصولًا إلى ضعف الوعي بمعنى الزواج ومسؤولياته، وانتشار ثقافة الاستغناء السريع التي طالت كل شيء، حتى العلاقات الإنسانية.
ولا يترك الطلاق أثره في طرف واحد فقط، بل ينعكس على الرجل والمرأة معًا، كلٌ بطريقته، غير أن الضحية الأكبر في هذه المعادلة هم الأبناء، الذين يجدون أنفسهم عالقين بين بيتين، وذكريات متفرقة، وقلوب صغيرة تدفع ثمن قرارات لم تكن طرفًا فيها، فيكبرون وهم يحملون أسئلة لا إجابات لها.
ورغم كل ذلك، لا يمكن إنكار أن الطلاق في بعض الحالات يكون حلًا ضروريًا، بل رحمة، خاصة حين يغيب الأمان النفسي، أو يتحول الزواج إلى ساحة عنف أو إهانة، أو تستحيل معها العِشرة.
فهنا لا يكون الطلاق فشلًا، بل حماية لما تبقى من إنسانية الطرفين.
المشكلة الحقيقية ليست في الطلاق ذاته، وإنما في التسرّع إليه، وتحويله من حل أخير إلى خيار أول.
فالعلاقات لا تقوم على الكمال، بل على التفاهم، والتنازل، ومحاولات الإصلاح، والإيمان بأن الخلاف جزء طبيعي من أي علاقة إنسانية.
في النهاية، يبقى الزواج مسؤولية قبل أن يكون ارتباطًا، ويبقى الطلاق قرارًا مصيريًا لا يجب أن يُتخذ في لحظة غضب.
وبين صبرٍ مفقود، وحلول سريعة، تضيع بيوت كان يمكن إنقاذها… ويبقى السؤال مفتوحًا: هل أصبح الطلاق حلًا سريعًا؟ أم أننا لم نعد نحسن المحاولة؟
خلود محمد احمد محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق