الجمعة، 19 ديسمبر 2025

حين ابتعدنا عن القيم… ماذا تبقّى؟


لم نعد نفتقد القيم لأننا لا نعرفها، بل لأننا اعتدنا الغياب عنها. في زمنٍ صار فيه كل شيء سريعًا؛ الكلام، الأحكام، العلاقات، وحتى المشاعر، تراجعت القيم الإنسانية والدينية خطوة بعد خطوة، حتى أصبحنا نعيش آثار غيابها دون أن نتوقف كثيرًا لنسأل: كيف وصلنا إلى هنا؟

صرنا نرى القسوة تُبرَّر، والكذب يُسمّى “شطارة”، والأنانية تُقدَّم على أنها ذكاء، بينما تُتَّهَم الأخلاق بأنها ضعف. ابتعدنا عن الصدق فانتشرت الخديعة، وابتعدنا عن الرحمة فزاد العنف، وابتعدنا عن الدين كمنهج حياة فامتلأت القلوب بالقلق رغم وفرة كل شيء من حولنا.

لم يكن الدين يومًا طقوسًا فقط، بل كان ضميرًا حيًا يضبط السلوك قبل أن يراقبه القانون، وكان القيم سياجًا يحمي المجتمع من الانهيار الصامت. وحين تخلينا عن هذا السياج، لم ينهَر العالم فجأة، بل بدأ يتآكل ببطء؛ حوادث بلا رحمة، علاقات بلا وفاء، ونجاحات بلا بركة.

الأخطر أن الاعتياد جعلنا لا نشعر بالفقد. أصبح الخطأ مألوفًا، والتجاوز عاديًا، والسكوت عن الظلم أسهل من مواجهته. ومع كل تنازل صغير عن قيمة، نفقد جزءًا من إنسانيتنا دون أن ننتبه.

العودة إلى القيم لا تحتاج خطابات طويلة، بل قرارات بسيطة: صدق في كلمة، أمانة في عمل، رحمة في تعامل، وخوف من الله في السر قبل العلن. فالقيم لا تموت، لكنها تنتظر من يحييها من جديد.

ربما لا نستطيع تغيير العالم كله، لكننا بالتأكيد نستطيع أن نغيّر أنفسنا، وحين تعود القيم إلى الفرد، يعود الأمان إلى المجتمع، ويستعيد الإنسان معناه الحقيقي.


خلود محمد احمد

هناك تعليق واحد:

  1. احسنتي القول يا دكتوره خلود محمد بارك الله فيكي

    ردحذف

Post Top Ad

Your Ad Spot