السبت، 13 ديسمبر 2025

الانتخابات بين العصا والجزرة

قراءة في انتخابات مجلس النواب المصري… وكيف نُعيد المعنى للصندوق ؟؟؟؟
بقلم : ماهر حسن مفتاح 
كاتب صحفي وخبير في الاقتصاد السياسي 
لم تكن انتخابات مجلس النواب الأخيرة حدثًا عابرًا في المشهد السياسي المصري ، بل جاءت كحلقة جديدة في سلسلة أسئلة كبرى بدأت مع انتخابات مجلس الشورى :
لماذا انخفضت نسبة المشاركة ؟
ولماذا تكررت الاتهامات بالتزوير ؟
وهل المشكلة في الشعب… أم في القواعد الحاكمة للعبة نفسها ؟
في مقاليّ السابقين عن انتخابات مجلس الشورى ، حاولت التأكيد على حقيقة جوهرية : 
الديمقراطية لا تُقاس فقط بنزاهة الصندوق ، بل بكثافة الحضور حوله .
 فالصندوق الخالي لا يحمي حقًا ، ولا يفضح تزويرًا ، ولا يمنح شرعية حقيقية لأي نتيجة .
مجلس النواب… الشرعية المنقوصة
مجلس النواب هو العمود الفقري لأي نظام تمثيلي ؛ هو سلطة التشريع والرقابة ، وصوت الناس المفترض داخل الدولة .
 لكن عندما تُفرز الانتخابات نوابًا انتخبهم أقلية محدودة من الناخبين ، فإن الشرعية تصبح قانونية على الورق ، ضعيفة في الوعي العام .
انخفاض نسب الحضور في انتخابات مجلس النواب لا يضر فقط بصورة البرلمان ، بل ينعكس مباشرة على :
سمعة مصر السياسية خارجيًا
ملفات حقوق الإنسان
ثقة المواطن في جدوى المشاركة
قدرة البرلمان نفسه على ممارسة دور رقابي حقيقي
والأخطر من ذلك أن الفراغ الشعبي يفتح الباب أمام ممارسات ملتوية : التزوير لا يزدهر إلا حين يغيب الناس .
فلسفة “ العصا والجزرة ” : 
حل عملي لا شعاراتي
من هنا يبرز السؤال : 
كيف ندفع الناس للحضور دون إكراه سياسي أو توجيه قسري ؟
الإجابة ليست في التخوين ولا في الوعظ ، بل في سياسة عامة ذكية :
سياسة العصا والجزرة .
أولًا : العصا  –  الغرامة… لماذا هي ضرورية ؟
فكرة الغرامة على الممتنع عن التصويت ليست اختراعًا مصريًا ، بل مطبقة في دول ديمقراطية راسخة مثل:
بلجيكا _ أستراليا _ البرازيل
والغرامة هنا ليست عقوبة سياسية ، بل إجراء تنظيمي يؤكد أن المشاركة في اختيار السلطة ليست ترفًا ، بل مسؤولية عامة، تمامًا مثل :
الضرائب
التجنيد
الالتزام بالقوانين المرورية
دستورية الغرامة
دستوريًا، الدولة من حقها أن :
تنظم ممارسة الحقوق
تضع ضوابط تضمن الصالح العام
طالما لم تُجبر المواطن على اختيار مرشح بعينه أو توجهه سياسيًا .
الغرامة لا تُجبرك على التصويت لفلان ، بل فقط على الحضور ، ثم تترك لك الحرية الكاملة :
تختار من تشاء
تبطل الصوت
أو تعبر عن موقفك كما تحب
الحرية هنا محفوظة ، والمسؤولية مُفعّلة .
كيف تُطبق الغرامة ؟
تكون متدرجة
( رمزية في البداية ، ثم ترتفع مع التكرار )
تُعفى منها الحالات القهرية 
( مرض –  سفر  –  قوة قاهرة )
تُربط بالرقم القومي لتسهيل التطبيق دون تعسف
ثانيًا :
 الجزرة – لماذا لا نكافئ من يشارك ؟
الدولة التي تطلب من مواطنيها المشاركة ، يجب أن تقول لهم بوضوح: نحن نقدّر حضوركم.
ومن هنا تأتي فكرة الحوافز ، مثل :
دعم إضافي مؤقت على بطاقات التموين
خصم جزئي في بعض الرسوم الحكومية
أولوية أو نقاط تفضيلية في خدمات عامة
زيادات رمزية في المعاشات أو حوافز موسمية
والأهم :
 تمويل هذه الحوافز يكون من حصيلة الغرامات نفسها
أي أن غير المشاركين يموّلون تشجيع المشاركين ، في معادلة عادلة ومنطقية .
الهدف الحقيقي :
 حماية الإرادة لا إجبارها
قد يعترض البعض قائلًا : 
“هل نُجبر الناس علي الديمقراطية ؟”
والإجابة : لا .
نحن لا نجبر أحدًا على الاختيار بل :
نُشجّع الحضور
نكسر حالة اللامبالاة
نملأ اللجان بالناس
نحاصر التزوير بالعدد
ونُعيد للانتخابات معناها الاجتماعي لا الورقي
كما ذكرت في مقالي السابق :
 الطالب لا يتعلم إلا إذا حضر المدرسة… والحضور هو أول خطوة للوعي .
و هنا اقول
الانتخابات بين العصا والجزرة ليست سياسة قمع ولا دعاية ، بل إدارة ذكية للثقة المفقودة .
فحين يحضر الناس :
يقل التلاعب
ترتفع الشرعية
تتحسن صورة الدولة
ويصبح الصندوق أداة تغيير حقيقية
الحرية الحقيقية داخل الصندوق…
لكن حمايتها تبدأ من الطابور خارجه .
صوتك مش بس ورقة… صوتك أمانة ومسؤولية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot