السبت، 22 نوفمبر 2025

الذكاء الاصطناعى


لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مصطلح تقني يتردد في المؤتمرات العلمية أو على صفحات كتب المستقبل، بل أصبح واقعًا حاضرًا يتسلل إلى تفاصيل حياتنا اليومية، ويعيد تشكيل طرق تفكيرنا، وعاداتنا، وحتى أحلامنا. نحن نعيش اليوم في لحظة فارقة؛ لحظة تشبه ما حدث مع ظهور الكهرباء أو انتشار الإنترنت، لكن هذه المرة بصورة أسرع وأعمق تأثيرًا، وربما أكثر إثارة للجدل.
في الهواتف التي لا تفارق أيدينا، وفي التطبيقات التي تنظّم يومنا وتتعرف إلى وجوهنا وتتكهن بما نريد قبل أن ننطق به، يعمل الذكاء الاصطناعي بصمت. في الساعات القليلة التي نقضيها على مواقع التواصل، تقترح علينا الخوارزميات ما نقرأ ونشاهد ونحب، وتعيد تشكيل ذوقنا ووعينا. وفي المستشفيات، يساعد الذكاء الاصطناعي الأطباء على تشخيص الأمراض بدقة تفوق أحيانًا العين البشرية. وحتى في البيوت، صار المساعد الذكي يجيب عن الأسئلة ويشغّل الإضاءة وينسّق المواعيد.
لكن هذا الصعود السريع لا يخلو من علامات استفهام كبرى. فمع كل خطوة يخطوها الذكاء الاصطناعي، يزداد سؤال الناس: هل نحن نتحكم في التكنولوجيا أم أنّ التكنولوجيا هي التي بدأت تتحكم فينا؟ وهل سيأتي يوم يصبح فيه الإنسان متفرجًا على دوره في سوق العمل؟ وهل يمكن أن نعتمد على الذكاء الاصطناعي دون أن نفقد شيئًا من قيمنا وخصوصيتنا وهويتنا؟
الحقيقة أن الذكاء الاصطناعي ليس “عدوًا” ولا “منقذًا”؛ بل هو أداة، وقوة محايدة تتحول إلى خير أو شر بحسب طريقة استخدامها. فالتطبيقات التي تمنحنا السهولة والراحة قد تتحول إلى تهديد إذا استُخدمت لجمع البيانات دون وعي، أو لتزييف الحقائق، أو للتأثير على الرأي العام بطرق خفية. والأنظمة التي تساعد في تطوير التعليم والعمل قد تتحول إلى منافس مباشر للإنسان إذا لم تستعد المجتمعات لتغيرات سوق العمل القادمة.
ورغم كل ذلك، يبقى الذكاء الاصطناعي فرصة تاريخية لا تتكرر. فرصة لإعادة بناء عالم أكثر كفاءة، وأكثر ذكاءً، وربما أكثر إنسانية إذا أحسنّا استثماره. فالمستقبل لن ينتظر المترددين، والعالم يمضي بسرعة نحو مرحلة يكون فيها امتلاك المعرفة الرقمية مهارة أساسية، تمامًا مثل القراءة والكتابة.
إنّ السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه اليوم ليس: هل سيؤثر الذكاء الاصطناعي على حياتنا؟ بل: كيف سنعيش في عالم يقوده الذكاء الاصطناعي؟ وهل سنكون مجرد مستخدمين عاديين، أم سنكون جزءًا من صانعي هذا المستقبل؟
وفي ظل المشهد المتسارع، يبقى الخيار بأيدينا. إما أن نكون جزءًا من الثورة، أو أن نقف متفرجين. وكل ما نحتاجه هو وعي، وتعليم، واستعداد للتغيير، حتى نستطيع أن نستقبل هذا الضيف الجديد بثقة، لا بخوف… وبمسؤولية، لا بانبهار.

خلود محمد احمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot