بقلم: أحمد محمد مسعد أحمد العراقي
في زمن تتسارع فيه المعلومات وتتداخل فيه الأصوات، لم تعد المعركة الحقيقية بين الحق والباطل وحدهما، بل امتدت إلى ساحة أعمق وأكثر خطورة: المعركة بين الوعي والجهل.
فالجهل اليوم لم يعد مجرد غياب للمعرفة، بل أصبح قوة مؤثرة تمارس نفوذها عبر الشائعات، والمعلومات المضللة، والانفعالات غير الواعية التي تهدد استقرار المجتمعات وتماسكها.
إن المجتمع الواعي هو الخط الدفاعي الأول لأي دولة تسعى للتنمية والنهضة. فالوعي يحصّن المواطن، يجعله قادرًا على فهم حقوقه وواجباته، قادرًا على التمييز بين ما يبني وما يهدم، وبين من يريد الخير لهذا الوطن ومن يسعى لإرباكه. وعلى النقيض من ذلك، يتحول الجهل إلى قوة معطلة، تفتح الباب أمام الفتن وتُربك مسار الدولة وتعرّض النسيج الاجتماعي للاهتزاز.
وتؤكد التجارب الحديثة أن الوعي ليس مسؤولية الحكومة وحدها، ولا المؤسسات التعليمية وحدها، بل مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع والإعلام والأسرة. فالدولة توفر المنصات والمعلومات الصحيحة، والإعلام يقدم مضمونًا مهنيًا غير مضلل، والمواطن يمارس دوره في التحقق، والنقد الموضوعي، واحترام القانون.
إن بناء الوعي مشروع قومي، لأنه يرتبط بالأمن المجتمعي والسلام الاجتماعي، ويمثل حجر الأساس لأي تقدم تشهده الأمة. ولذلك فإن سؤال: “هل للوعي فرصة حقيقية في هذا العالم المزدحم؟” جوابه يرتبط بإرادتنا نحن—بمدى استعدادنا لخوض المعركة ضد الجهل، وبقدر وعينا بأن المعركة ليست فكرية فحسب، بل وجودية.
فالوعي حياة… والجهل موتٌ بطيء.
وبين هذا وذاك، تختار الشعوب مصيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق