بقلم: [ ماهر مفتاح ]
كاتب في الاقتصاد السياسي
المستوردون.. رأس المال الاجتماعي المجهول في معركة الصناعة الوطنية
هؤلاء يعرفون السوق أكثر من غيرهم.. لماذا لا يصنع المستوردون ما يستوردون؟
توطين الصناعة يبدأ من هنا: دعوة مفتوحة لوزير الصناعة والمستوردين
رغم كل ما نسمعه من شعارات عن «تشجيع الصناعة الوطنية» و«الحد من الاستيراد»، إلا أن معادلة الاقتصاد المصري تظل تعاني اختلالًا هيكليًا واضحًا: فجوة استيراد سنوية تتجاوز 75 مليار دولار، واحتياطيات عملة صعبة لا تتجاوز في أفضل الأحوال 35 مليار دولار، وبطالة رسمية عند حدود 7.1% في 2024 (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء)، بينما الواقع الميداني يعكس أرقامًا أكبر.
في خضم هذه الأرقام القاتمة، يبرز طرف ثالث نادرا ما يُذكر عند الحديث عن الحلول: المستوردون.
رأس المال الأكثر فهمًا للسوق
في الاقتصاد السياسي، تُعرف الطبقة التجارية المستوردة بأنها «رأس المال الاجتماعي القادر على الربط بين المحلي والعالمي». فهؤلاء المستوردون ليسوا مجرد وسطاء سلعيين؛ إنهم الأقرب لفهم احتياجات السوق المصري، والأدق معرفة بسلوك المستهلك المحلي، والأكثر إلمامًا بمعايير الجودة والأسعار العالمية.
بحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة، فإن القطاع الخاص يستحوذ على نحو 70% من إجمالي الواردات السنوية، ومعظمها في قطاعات يمكن توطينها نسبيًا مثل الأجهزة الكهربائية، الملابس الجاهزة، مواد البناء، الكيماويات.
المفارقة أن هؤلاء المستوردين أنفسهم، بحكم علاقاتهم الممتدة مع المصانع الأجنبية، هم الأقدر على التفاوض على نقل التكنولوجيا وتوطين خطوط الإنتاج داخل مصر، بدلًا من الاكتفاء بالاستيراد.
من الاستيراد إلى الإنتاج: التجارب العالمية
لماذا لا نعيد إنتاج التجارب الناجحة عالميًا؟
في تركيا، بدأت استراتيجية إحلال الواردات منذ التسعينيات بالشراكة مع كبار المستوردين، واليوم تحقق صادرات صناعية تفوق 254 مليار دولار سنويًا.
في ماليزيا، ساهم برنامج «الشركات القائدة» في تحويل مستوردين كبار إلى مصنعين في قطاعات الإلكترونيات والملابس، وحققت الاكتفاء الذاتي في عدة سلع خلال 15 عامًا.
فرصة لمصر.. موقع واتفاقيات
مصر تتمتع بموقع جغرافي يجعلها على مرمى خطوط الملاحة الدولية، مع وصول مباشر إلى أسواق تضم أكثر من 1.3 مليار مستهلك من خلال اتفاقيات مثل الكوميسا، الاتحاد الأوروبي، أغادير وغيرها.
تصوّروا لو تحولت شريحة من كبار المستوردين إلى منتجين، ليس فقط لتغطية السوق المحلي وتقليل فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة، بل لتوليد فائض تصديري يخلق ملايين فرص العمل، ويعيد تدفق الدولار إلى الداخل.
معركة السياسة الصناعية تبدأ بالحوار
الحل لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى إرادة سياسية وصياغة جديدة لدور الوزارة: فتح حوار حقيقي مع المستوردين، ووضع حوافز وجزاءات واضحة، ودعم الشراكات مع المصانع الأم لتوطين الصناعة، ونقل المعرفة والنوهاو (Know-how) الفني.
في علم الاقتصاد السياسي، يُسمى ذلك «إعادة تشكيل التحالفات الاقتصادية»، عبر دمج رأس المال التجاري في مشروع وطني للإنتاج والتصدير.
خاتمة: مصر قادرة.. والمستوردون جاهزون
مصر تملك كل المقومات: سوق كبير، عمالة شابة، اتفاقيات دولية، موقع استراتيجي. والمستوردون يملكون الخبرة، والشبكات، والمعرفة.
تبقى الخطوة لدى صانع القرار: ليكن المستوردون شركاء لا عبئًا. فهم ليسوا خصوم الصناعة، بل بوابتها. ومعهم، يمكن لمصر أن تنتقل من دولة مستوردة إلى دولة مكتفية ومصدّرة، قادرة على توفير احتياجاتها، وخفض البطالة، وتعزيز احتياطيات العملة الصعبة.
الوقت الآن.. لا غد.
كلامك صحيح جداً اتمنى أن يفهم و يعي صاحب القرار ما تقوله
ردحذف