الاثنين، 22 ديسمبر 2025

التربية… حين نفشل في الإنسان قبل أن نفشل في المجتمع


لم تعد أزمات مجتمعاتنا مفاجِئة، ولا مظاهر العنف، ولا تراجع القيم، ولا غياب المسؤولية مجرد ظواهر عابرة، بل هي نتائج مباشرة لفشل تربوي تَراكم بصمت، حتى أصبح واقعًا نعيشه يوميًا.

فالتربية ليست أمرًا هامشيًا، ولا مهمة مؤجلة، بل هي الأساس الحقيقي لبناء الإنسان، والميزان الذي تُقاس به قوة المجتمعات أو ضعفها. فالإنسان لا يولد منحرفًا، لكنه قد يُربّى على الخطأ، أو يُترك دون توجيه، فينشأ فاقدًا للبوصلة، لا يعرف معنى الانتماء، ولا قيمة الأخلاق، ولا حدود الحرية.
تبدأ الأزمة من الأسرة، بوصفها اللبنة الأولى في بناء الشخصية. 

وحين يغيب الحوار، ويحل الإهمال أو القسوة، يبحث الطفل عن ذاته خارج البيت، في الشارع أو خلف الشاشات. وما يُهمل في الطفولة، يصعب إصلاحه في الكِبر.

أما المدرسة، فقد انحصر دورها في كثير من الأحيان في التحصيل والامتحانات، بينما تراجع دورها التربوي. 

فأصبحنا نُخرّج طلابًا يحملون شهادات، لكنهم يفتقرون إلى القيم، ويعرفون المعلومات، لكنهم يجهلون معنى المسؤولية.

 فالتعليم بلا تربية جسد بلا روح.

ومع تسارع الحياة وسيطرة التكنولوجيا، تراجعت القدوة، وأصبحت القيم موضع سخرية أحيانًا، والاحترام ضعفًا، والانضباط قيدًا. 

فوسائل التواصل الاجتماعي صنعت أجيالًا ترى الكثير، لكنها لا تُحلّل، وتسمع الجميع، لكنها لا تُنصت لأحد.

النتيجة إنسان مضطرب، سريع الغضب، ضعيف الانتماء، يطالب بحقوقه دون وعي بواجباته، ويرفع شعار الحرية دون إدراك لمسؤوليتها.

إن إصلاح المجتمع لا يبدأ بالقوانين وحدها، بل يبدأ بإعادة الاعتبار للتربية؛ تربية قائمة على الحوار لا القهر، وعلى القدوة لا الوعظ، وعلى الفهم لا المنع، وعلى الحب قبل العقاب.

فحين نُحسن تربية الإنسان، نختصر طريق الإصلاح كله، وحين نفشل فيها، لا يحق لنا أن نتساءل عن أسباب ما نعيشه اليوم.

خلود محمد أحمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot