الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

الصحة النفسية للمرأة اللاجئة: معركة صامتة من أجل البقاء


في خضمّ الحروب والنزاعات التي تهزّ العالم، تظلّ معاناة النساء اللاجئات قصة لا تُروى بما يكفي. فبين صراع البقاء الجسدي وضياع الوطن والهوية، تخوض المرأة اللاجئة معركة أخرى أكثر خفاءً وأشدّ قسوة — معركتها من أجل الصحة النفسية.

تُظهر الدراسات أن معدلات الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة بين النساء اللاجئات تفوق بأضعاف ما يُسجّل بين النساء في البيئات المستقرة. فالتجارب التي تمرّ بها اللاجئة — من فقدان الأحبة، والعنف القائم على النوع، والعيش في ظروف لجوء قاسية — تترك آثارًا نفسية عميقة قد لا تُرى بالعين، لكنها تُنهك الروح وتؤثر في قدرتها على رعاية نفسها وأطفالها.

ورغم أن المساعدات الإنسانية تُركّز غالبًا على الغذاء والمأوى، إلا أن الصحة النفسية تظل الحلقة الأضعف في منظومة الدعم. إذ تُعامل كأمر ثانوي، رغم كونها الأساس الذي يضمن استقرار المرأة وقدرتها على إعادة بناء حياتها من جديد. فكيف يمكن لإنسانة أنهكها الخوف والذنب والذكريات أن تبدأ من الصفر دون علاج أو احتواء؟

إن دعم الصحة النفسية للنساء اللاجئات ليس ترفًا، بل ضرورة إنسانية وتنموية. فالمرأة التي تُشفى من جراحها النفسية تصبح قادرة على تمكين نفسها، تعليم أطفالها، والمشاركة في بناء مجتمعات أكثر سلامًا. لهذا، ينبغي على المنظمات الدولية أن تدمج الدعم النفسي كجزء أصيل من برامج الحماية، وأن توفّر بيئات آمنة تُعيد للنساء الشعور بالأمان والانتماء.

إننا بحاجة إلى تغيير النظرة من “لاجئة تحتاج مساعدة” إلى “امرأة قادرة على النهوض إذا توفرت لها الفرصة والعلاج والاحترام”. فكل امرأة نجت من الحرب وواجهت اللجوء، تحمل في داخلها طاقة حياة مذهلة، تنتظر فقط أن تجد من يصغي إليها دون حكم، ومن يؤمن أن الشفاء ممكن.


 الخلاصة 

إن الصحة النفسية للنساء اللاجئات ليست قضية فردية، بل مؤشر على مدى إنسانيتنا كمجتمع دولي. فحين تُمنح المرأة اللاجئة مساحة للشفاء والدعم، فإننا لا نعيد بناء حياتها فقط، بل نُعيد بناء فكرة العدالة ذاتها.

تمكين النساء نفسيًا يعني تمكين مجتمعات بأكملها. إن كل مبادرة تُصغي لآلام النساء وتحوّلها إلى طاقة شفاء هي خطوة نحو عالم أكثر وعيًا ورحمة. فالدعم النفسي ليس مجرد علاج، بل استثمار في السلام الإنساني، وفي قدرة الإنسان على النهوض من الرماد ليصنع حياة تستحق أن تُعيشها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot