بقلم ماهر حسن مفتاح
كاتب صحفي وخبير في الاقتصاد السياسي
في زمنٍ تُسفك فيه دماء فلسطين على مرأى ومسمع العالم ، اجتمعت الأمة في قمة الدوحة علّها تعلن ولادة موقفٍ حقيقي يعيد للكرامة العربية نبضها، لكنّ ما شهدناه لم يكن إلا مشهداً جديداً من مسرحية طويلة : حضور صامت ، بيانات باهتة ، وكلمات تُسكّن الألم ولا تشفي الجرح. لقد كانت القمة مرآةً صافية كشفت حجم العجز العربي ، وفضحت المتاجرين بالشعارات حين حانت لحظة الحقيقة .
ومن نرصد غياب المشجعين في ساحة المعركة :
تونس والمغرب – اللذان أرهقا آذاننا سابقاً بشعارات " التحرير " و " المقاومة " – آثرا الصمت والغياب عن القمة ، وكأنّ الحياد في زمن الدم فضيلة .
شعوبنا لم تخدعها هذه المسرحيات ، فقد أدركت أن ما سُمي " قرارات " لم يكن سوى حروف تُكتب على الرمال ، تتبدد مع أول هبة ريح. الشعوب لم تعد تريد كلمات مواساة ، بل تريد أفعالاً تصنع نصراً .
وهنا نقول مصر والأسد الذي لا يلاعب فريسته :
مصر لا تصرخ في الميكروفونات ولا تتسابق إلى الكاميرات ، لكنها حين تتحرك تُربك المعادلات .
وكما قالوا :
" الأسود لا تنبح، الأسود تهاجم " .
في أكتوبر ١٩٧٣ لم نطلب من العالم الإذن، ولم نخبر العدو بموعد الهجوم . خططنا بصمت ، وضربنا بقوة ، فاستعدنا الأرض والكرامة . اليوم ، نفس المنهج ، نفس الهدوء الذي يسبق العاصفة .
كما أوجه رسالة إلى قادة مصر :
أيها القادة ، لا تلتفتوا لنباح المشكّكين ولا لصفير المستفزّين . فالتاريخ يشهد أن مصر حين تقرر، لا تترك أثراً للمتخاذلين على الخريطة .
لم يعد السكوت فضيلة في زمن تُداس فيه المقدسات .
الرد يجب أن يكون عنيفاً ، سريعاً ، وحاسماً .. رداً يكتب على جدران التاريخ أن مصر إذا غضبت لا ينجو أحد من زلزالها .
كما أننا نكشف المستور وخيانة الأدوار :
القمة لم تكن فقط اجتماعاً دبلوماسياً ، بل كانت امتحاناً أخلاقياً فشل فيه كثيرون . بعض الدول اكتفت بأن تكون " كومبارس " على مسرح الأحداث، تريد الظهور دون أن تدفع ثمن الدور .
والخيانة ليست فقط أن تبيع أرضك ، بل أن تساوم على دماء غيرك ، أن تبتسم للعدو وتُدير ظهرك للأشقاء .
وهذه أخطر من الخيانة الصريحة لأنها تتدثر برداء الوطنية .
وناكد مصر التي لا تنام :
مصر ليست مجرد دولة في الجامعة العربية ، بل هي نبضها وشريانها . من ضفاف النيل حتى أقصى الحدود ، العيون ساهرة ، والجيش على أهبة الاستعداد .
العدو يعلم أن مصر إذا قالت فعلت ، وإذا فعلت غيّرت وجه المنطقة بأكملها. أما المتخاذلون ، فسيبقون يتفرجون من بعيد ، يكتبون بيانات ، ويظنون أنهم صنعوا نصراً .
خاتمة :
إلى العدو :
لا تختبروا صبر مصر ، فالنيل الذي يبدو هادئاً يحمل في أعماقه طوفاناً قادراً على اجتياحكم متى شاء .
إلى المتخاذلين :
ستبقون ظلاً باهتاً في ذيل صفحات التاريخ، بينما تكتب مصر السطر الأول في كل فصل من فصول المجد .
إلى الشعب المصري :
ثقوا بقيادتكم وجيشكم، فأنتم الجدار الأخير للأمة .
وكما أمرنا الله :
{ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ } ، فالقوة ليست سلاحاً فقط ، بل إيمان ، وصبر ، ووحدة صفّ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق