الخميس، 20 نوفمبر 2025

الأدب هو الصحافة العميقة

في زمنٍ تتسارع فيه الأخبار كأنها تُطارِد بعضها، وتتشابك فيه الحقائق مع الشائعات، يبقى الأدب هو المساحة الوحيدة التي تُعيد الإنسان إلى اتزانه. فالأدب ليس رفاهية، وليس ترفًا ثقافيًا كما يراه البعض، بل هو رئةٌ يتنفس منها المجتمع حين تضيق عليه الأيام، وصوتٌ موازٍ للصحافة حين تسكت التفاصيل خلف الضجيج.
الأدب هو الصحافة العميقة… تلك التي لا تكتب عن خبرٍ عابر، بل عن الوجدان الإنساني نفسه. هو الوجه الآخر للحقيقة، والمرآة التي تكشف ما لا تراه عدسات الكاميرات. فبين السطر والسطر، تختبئ حكايات الناس، وأحلامهم، ووجعهم، وانتظارهم. كل رواية هي تحقيق صحفي من نوعٍ آخر، وكل قصيدة هي مقال رأي شديد الصدق، وكل قصة قصيرة هي تقرير إنساني مكتوب بحبر القلب.
وفي مصر، حيث الثقافة تراكمت عبر قرون من الفكر والإبداع، كان الأدب دائمًا شريكًا للصحافة في تشكيل الوعي العام. فمن قهوة الفيشاوي إلى صالونات المثقفين، ومن أعمدة كبار الكُتّاب إلى صفحات الجرائد العريقة، ظلّ الأدب هو الضمير الموازي، والسؤال الذي لا يخاف أحد طرحه.
الأدب يعلّم الصحافة أن تنحاز للإنسان قبل الحدث، وأن تبحث عن عمق الحكاية لا عن سطحها، وأن تكتب ما يُغيّر لا ما يُرضي. وفي وقتٍ أصبحت فيه المعلومة أسرع من التفكير، يصبح الأدب هو الدعوة للتأني… للمراجعة… للتأمل.
فحين يقرأ الناس، يعرفون. وحين يعرفون، يتغيرون. وحين يتغيرون، يتغيّر المجتمع كله.
إننا اليوم بحاجة إلى الأدب أكثر من أي وقت مضى؛ بحاجة لنصوصٍ توقظ الوعي، وتفتح نافذة للأمل، وتُذكّر القارئ بأن الإنسانية ليست خبرًا ينتهي بانتهاء السطر، بل هي روحٌ يجب أن تُحفظ من التلاشي وسط فوضى العالم.
فالأدب لا يكتب التاريخ فقط… بل يكتب الإنسان.

خلود محمد احمد

هناك تعليق واحد:

Post Top Ad

Your Ad Spot