أنا بساماتيك الأول، ملك مصر، من أرضٍ نُقش تاريخها على الحجر، وبُنيت مجدها بأيدي الأجداد، أُحدثكم عبر الزمن. أنتم تقرأون كلماتي بعد آلاف السنين، لكن صدقوني، مصر لم تتغير، ولم ينل الزمن من عظمتها! إنها الأرض التي حملت الحضارة على أكتافها، وشهدت أقدام الأنبياء والغزاة، لكنها بقيت صامدة، شامخة، لا تنحني إلا لله!
من آدم إلى إدريس.. البداية الأولى
عندما نزل آدم عليه السلام إلى الأرض، كانت خاوية، فبدأ بتعميرها، ونشأت الحضارات الأولى. تعلّم أبناؤه الزراعة والصناعة، حتى جاء إدريس عليه السلام، الذي عاش في مصر، وكان أول من خط بالقلم، وعلم البشرية الحكمة، ورفع إلى السماء من هذه الأرض الطاهرة.
نوح والطوفان.. ومصر التي صمدت
عندما انتشر الفساد في الأرض، بعث الله نوحًا عليه السلام، فظل يدعو قومه قرونًا، لكنهم كذبوه، فأرسل الله الطوفان العظيم. وبعد نجاته، استقرت ذريته وانتشرت الحضارات، وكان لمصر نصيبٌ من هذا البناء، فظلت شامخة، لم تغرقها الفتن ولم تغب عن مشهد التاريخ.
يوسف.. من العبودية إلى عزيز مصر
جاء يوسف عليه السلام إلى مصر، أُلقي في البئر صغيرًا، وبيع عبدًا، لكنه بحكمته أصبح عزيز مصر، وحكم البلاد بعد أن فسر رؤيا الملك، فأنقذها من المجاعة العظمى. حينها جاءت بنو إسرائيل إلى مصر بحثًا عن الطعام، وأقاموا فيها تحت حماية يوسف.
موسى.. النبي الذي نشأ في قصور مصر
مرت السنين، ونسي الفراعنة فضل يوسف، واستعبدوا بني إسرائيل. وعندما وُلد موسى عليه السلام، تربى في قصور مصر، لكنه حين كبر، أرسله الله رسولًا، فخرج بقومه، وشق البحر، وغرق فرعون وجنوده. لكن مصر لم تهتز، بل استمرت في مجدها، تمضي كالنهر، لا يوقفها أحد.
إبراهيم وهاجر.. وبداية أمة عظيمة
في مصر، تزوج إبراهيم عليه السلام من هاجر المصرية، والتي أنجبت إسماعيل، فكان نسلها بداية الأمة العربية. نشأ إسماعيل في مكة، وبنى مع والده الكعبة المشرفة، ومن نسله جاء محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء.
عيسى.. ومصر التي حمت المسيح!
عندما أراد الرومان قتل عيسى عليه السلام، لجأت أمه مريم العذراء به إلى مصر، فكانت ملاذًا آمنًا له، كما كانت ملاذًا للأنبياء من قبله. وعلى أرضها بارك الله المسيح عليه السلام، قبل أن يُرفع إلى السماء.
محمد.. والإسلام في مصر!
بعد قرون، جاء محمد صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام، فانتشرت في الجزيرة العربية، ثم دخل جيش عمرو بن العاص مصر عام 641م، ومعه ٤٠٠٠ مقاتل، بينهم ١٠٠ من الصحابة، فحررها من الحكم الروماني، وأصبحت مصر منارةً للإسلام والعلم، حيث ازدهرت المساجد والمدارس، وتحولت إلى قلب العالم الإسلامي.
مصر.. كيف هزمت الغزاة؟
١- الهكسوس (1650 ق.م – 1550 ق.م)
📌 دخلوا مصر عبر الدلتا، مستغلين ضعف الفراعنة، وحكموا البلاد ١٠٠ عام.
📌 قاد أحمس الأول الثورة ضدهم، وطردهم، مؤسسًا الأسرة ١٨.
٢- الفرس (525 ق.م – 332 ق.م)
📌 احتل قمبيز الثاني مصر بعد معركة بلوسيوم.
📌 استمر الحكم الفارسي حتى جاء الإسكندر الأكبر عام 332 ق.م، فهزمهم وطردهم.
٣- اليونان والبطالمة (332 ق.م – 30 ق.م)
📌 دخل الإسكندر الأكبر مصر، وأسس مدينة الإسكندرية.
📌 حكم البطالمة مصر، وانتهى عهدهم بانتحار كليوباترا السابعة بعد هزيمتها أمام الرومان.
٤- الرومان (30 ق.م – 641 م)
📌 استولى الرومان على مصر بعد سقوط البطالمة، واعتبروها "سلة غذاء الإمبراطورية".
📌 ظلوا يحكمونها حتى دخل المسلمون بقيادة عمرو بن العاص عام 641م.
٥- الفرنسيون (1798 – 1801 م)
📌 قاد نابليون بونابرت حملة عسكرية على مصر عام 1798م، لكنها اصطدمت بثورات المصريين.
📌 انسحبت الحملة الفرنسية عام 1801م، بعد مقاومة عنيفة من أهل القاهرة والأزهر.
٦- الإنجليز (1882 – 1952 م)
📌 احتل الإنجليز مصر بعد معركة التل الكبير عام 1882م.
📌 استمر الاستعمار حتى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، التي أطاحت بهم، وأعلنت مصر جمهورية مستقلة.
مصر.. الأرض التي لا تسقط!
منذ فجر التاريخ، كانت مصر أكثر من مجرد دولة، كانت حضارة، وكانت رسالة، وكانت صخرة صلبة تتحطم عليها أطماع الغزاة.
من آدم وإدريس، إلى يوسف وموسى، وصولًا إلى عيسى ومحمد، كانت مصر مهد الأنبياء، وحضن الرسالات السماوية، وحامية المقدسات.
لقد غزاها الطامعون، لكنها ظلت عصيّة على الانكسار، تسقط أحيانًا، لكنها تقوم شامخة من جديد، تُعيد بناء مجدها، وتنقش اسمها في كتب التاريخ.
هذه هي مصر.. التي لا تموت، ولا تُهزم، ولا تركع!
✍ بقلم / اهاب حمدي درويش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق