بقلم الكاتب ابانوب رفعت سعد
القديس أثناسيوس الرسولي
حارس الإيمان وبطل العقيدة الأرثوذكسية
يُعدّ القديس أثناسيوس الرسولي أحد أعظم آباء الكنيسة في التاريخ المسيحي، ورمزًا خالدًا للدفاع عن الإيمان القويم، حتى لُقّب عن جدارة بـ «حامي العقيدة» و**«أثناسيوس ضد العالم»**. لم يكن مجرد أسقف أو لاهوتي، بل كان صوت الحق في زمنٍ امتلأ بالبدع والانقسامات.
نشأته وبداياته
وُلد القديس أثناسيوس في الإسكندرية أواخر القرن الثالث الميلادي، ونشأ في بيئة مسيحية مثقفة، فتتلمذ على أيدي كبار معلمي الكنيسة، وتعمق في دراسة الكتاب المقدس واللاهوت. ومنذ شبابه المبكر، ظهرت حكمته وغيرة قلبه على الإيمان، حتى اختاره البابا ألكسندروس ليكون شماسًا له ومرافقًا في الأحداث المصيرية للكنيسة.
مجمع نيقية والدفاع عن ألوهية المسيح
كانت أعظم محطات حياة القديس أثناسيوس مشاركته في مجمع نيقية المسكوني الأول عام 325م، حيث وقف بقوة ضد بدعة أريوس التي أنكرت ألوهية السيد المسيح. وبشجاعة نادرة، دافع عن الإيمان القائل بأن الابن مساوٍ للآب في الجوهر، واضعًا حجر الأساس للعقيدة الأرثوذكسية التي تؤمن بها الكنيسة حتى اليوم.
أسقف الإسكندرية والمنفى المتكرر
بعد نياحة البابا ألكسندروس، جلس القديس أثناسيوس على كرسي مارمرقس الرسول، لكنه لم ينعم بالسلام طويلًا. فقد تعرض للاضطهاد والنفي خمس مرات بسبب ثباته على الحق ورفضه التنازل عن العقيدة، فقضى سنوات طويلة متنقلًا بين الصحاري والمدن، لكنه ظل قوي الإيمان، ثابت الرجاء، واثقًا أن الله يقود كنيسته.
كتاباته وتأثيره اللاهوتي
ترك القديس أثناسيوس تراثًا لاهوتيًا عظيمًا، من أبرز مؤلفاته:
تجسد الكلمة
ضد الأريوسيين
سيرة القديس أنطونيوس
وقد كان لكتاباته دور محوري في تثبيت الإيمان المسيحي ونشر الفكر الرهباني في الشرق والغرب، حيث تأثر به كثيرون حتى خارج مصر.
مثال خالد لكل الأجيال
لم يكن القديس أثناسيوس باحثًا عن مجد شخصي، بل عاش مجاهدًا من أجل الكنيسة، مؤمنًا أن الحق لا يُقاس بعدد المؤيدين، بل بصدق الموقف أمام الله. لذلك صار مثالًا لكل خادم وقائد روحي، يعلمنا أن الإيمان الحقيقي قد يكلف الكثير، لكنه يستحق كل تضحية.
خاتمة
يبقى القديس أثناسيوس الرسولي علامة مضيئة في تاريخ الكنيسة، وصوتًا لا يخبو في الدفاع عن الحق. سيرته ليست مجرد صفحات من الماضي، بل رسالة حيّة لكل مؤمن:
«تمسك بالإيمان، ولو وقفت وحدك».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق