بقلم : ماهر حسن محمد مفتاح
كاتب صحفي وخبير في الاقتصاد السياسي
« ليست حقوق الإنسان في السياسة وحدها… و لكن حقوق الإنسان حياة كريمة وعمل وأشياء أخرى كثيرة »
> هذا المقال هو الثاني في سلسلة مقالات حقوقية نعيد فيها تعريف « الحقوق» كما يجب أن تكون : ليست شعارات سياسية ، بل حياة كريمة ، عمل منتج ، تعليم عادل، أمل في غدٍ أفضل .
بدأنا المقال الأول بالحديث عن الحق في الحياة الكريمة في مدينة فوه كنموذج ، واليوم نواصل بالحق في العمل، خصوصًا العمل عبر الإنترنت، باعتباره أداة العصر لحماية الإنسان من البطالة والإقصاء .
مقدمة :
لماذا أصبح العمل عبر الإنترنت ضرورة وطنية ؟
لم يعد العمل عبر الإنترنت ترفًا كما يظن البعض ، بل حق أصيل من حقوق الإنسان ، وأداة رئيسية في محاربة البطالة وتعزيز الإنتاجية .
في عالم يتغير فيه شكل الوظائف بسرعة بفعل التكنولوجيا والذكاء الصناعي ، لم يعد مقبولًا أن يبقى ملايين الشباب بلا عمل ، بينما أمامهم شاشة وهاتف قادران على فتح أبواب الرزق من بيوتهم .
حلم الرئيس… أين يتعثر ؟
منذ أكثر من عامين ، وأثناء مؤتمر للشباب ، ناقش الرئيس عبد الفتاح السيسي حلمه بتخريج 100 ألف مبرمج مصري في مجالات التكنولوجيا والذكاء الصناعي .
الرقم بدا واقعيًا ، لكنه سرعان ما تلاشى على الأرض ، حيث لم يتجاوز ما تحقق بضع مئات فقط .
حتى بعد توقيع بروتوكول بين وزارة الاتصالات والجيش والهيئة العربية للتصنيع لتدريب 5000 شاب ، استمرت النتائج هزيلة .
وفي نفس الفترة ، أطلقت وزارات عدة مبادرات تحت لافتات براقة لتعليم الذكاء الصناعي والبرمجة ، لكنها جميعًا لم تؤتِ ثمارًا حقيقية .
لماذا فشلت المبادرات ؟
بالنظر إلى شروط تلك المبادرات ، نجد الإجابة بوضوح :
١ _ اشتراط مستويات مذهلة من التفوق العلمي وكأننا نعد لجائزة نوبل !
٢ _ اقتصار المستهدفين على خريجي كليات القمة والطبقات الوسطى والعليا.
٣ _ إقصاء الشباب الذين يملكون الذكاء الفطري لكنهم لم يتفوقوا في درجاتهم المدرسية .
٤ _ غياب برامج للمراحل الدراسية المبكرة أو للشباب البسيط .
تحولت تلك المبادرات إلى « دورات صفوة » لا يستفيد منها سوى المئات ، بينما ما يحتاجه السوق فعلًا هو شباب فاهم لأساسيات العمل الرقمي .
تجربة الهند : دروس لمن يفكر!
الهند التي أصبحت مركزًا عالميًا للبرمجيات ، بدأت منذ التسعينيات على قاعدة مختلفة :
١ _ تدريب ملايين الشباب على أعمال بسيطة عبر الإنترنت: كتابة ، إدخال بيانات، ترجمة بالقاموس ، عروض تقديمية .
٢ _ لم يشترطوا كليات قمة ولا معدلات خيالية .
٣ _ استهدفوا تعليم الأساسيات بأبسط لغة ممكنة .
ومع الوقت ، ظهر الموهوبون وصعدوا إلى طبقة المحترفين ، حتى أصبح دخل الهند من العمل الرقمي بالمليارات .
أرقام مصر: طاقات معطلة !
لدينا في مصر أكثر من 60 مليون شاب وفتاة دون الثلاثين، منهم نحو 24 مليونًا في مراحل التعليم قبل الجامعي .
هؤلاء يمكنهم تحقيق دخل شهري من 1000 إلى 5000 جنيه من أعمال بسيطة على الإنترنت مثل :
١ _ كتابة تقارير وأوراق بحثية .
٢ _ ترجمة نصوص بالقاموس .
٣ _ تصميم عروض PowerPoint بسيطة .
٤ _ إدخال بيانات على منصات دولية .
٥ _ مساعدات افتراضية للشركات .
اقتراح عملي :
«المنصة الوطنية للعمل البسيط عبر الإنترنت »
لكي ننجح، لا بد من التفكير بشكل مختلف :
١ _ إنشاء لجنة وطنية متخصصة لوضع خطة تمكين الشباب في الأعمال البسيطة عبر الإنترنت .
٢ _ إطلاق منصة حكومية (أو بالشراكة مع القطاع الخاص) تربط بين طلبات العمل البسيط عالميًا والشباب المصري .
٣ _ تخفيف الشروط إلى الحد الأدنى، يكفي أن يجيد المتقدم القراءة والكتابة ومعرفة أولية بالحاسوب .
٤ _ توفير تدريب سريع مجاني على المهام المطلوبة .
٥ _ تخصيص «مسارات صعود» لمن يثبت موهبته لاحقًا، ليصل إلى الأعمال الأعلى دخلًا .
لماذا العمل البسيط أولًا ؟
لأننا لو انتظرنا أن نصبح جميعًا خبراء ذكاء صناعي فجأة فلن يحدث .
العمل البسيط هو القاعدة العريضة التي تصنع المحترفين لاحقًا، وتمنح ملايين الشباب فرصة العيش الكريم، بعيدًا عن شروط خانقة تعطل الأحلام ولا تصنع واقعًا .
خاتمة :
دعوة للحلم الكبير… بخطوات صغيرة
من حق كل شاب مصري أن يجد عملًا كريمًا يناسب قدراته عبر الإنترنت .
من حق المجتمع أن يستفيد من طاقات أبنائه بدل أن يهدرها .
ومن حق الرئيس، الذي يحلم بمئة ألف مبرمج ، أن يرى حلمه يتحقق عبر خطة وطنية شاملة و لتكن بالملايين ، لا عبر ورش صغيرة معقدة يضعها « أساتذة مكاتبهم المكيفة » .
ابدأوا بالعمل البسيط… علموا أولادنا كيف يكسبون 100 دولار شهريًا من بيوتهم… وسنرى منهم غدًا من يبرمج أعقد أنظمة الذكاء الصناعي في العالم .
> في النهاية ، نواصل هذه السلسلة لنكشف كيف أُهملت حقوق الإنسان الحقيقية لصالح مجرد شعارات الحريات والديمقراطية ، التي باتت ذريعة لتدخل القوى العظمى في شؤون الدول النامية .
انتظرونا في المقال القادم لنكمل هذا الملف الشائك بجرأة وموضوعية و افكار مبتكره صالحه للتطبيق .
احسنت النشر يا استاذ ماهر
ردحذف