✍ بقلم: اهاب حمدي درويش
مع اقتراب شهر رمضان، تتجدد معركة غير مُعلنة، تُخاض على جبهات غير مرئية، حيث لم يعد هذا الشهر مجرد موسمٍ للعبادة والتقرب إلى الله، بل أصبح ميدانًا لحرب فكرية تتسلل عبر الدراما والبرامج التلفزيونية. في خضم هذا الزخم الإعلامي، تتوارى رسائلٌ مُبطّنة، تُعيد تشكيل المفاهيم الدينية والتاريخية والاجتماعية، في محاولةٍ لإعادة صياغة الهوية الجماعية.
1. تغيير المفاهيم الدينية: التخلي عن التراث تحت قناع الحداثة
تشهد بعض البرامج الحوارية في رمضان مقارناتٍ مفتعلة بين الشيوخ التقليديين ودعاةٍ جدد يروجون لما يُسمى بـ"الدين العصري"، حيث يُطرح الخطاب الديني المحافظ باعتباره متخلفًا، بينما يُقدَّم البديل في صورة خطاب حداثي يُقلِّل من شأن التراث الفقهي والتاريخي.
الدليل؟
في برامج "التوك شو"، تُستدعى شخصيات دينية يُقدَّم بعضها كممثلٍ للتراث المتشدد، في مقابل شخصيات أخرى تُنظِّر لفكرة أن الفهم الجديد للدين يقتضي التخلي عن الموروث. هذه الثنائية المزعومة لا تهدف إلى النقاش الموضوعي، بل إلى دفع المشاهد تدريجيًا نحو قبول القطيعة مع الجذور الفكرية والدينية.
2. تشويه التاريخ: سرديات مزيفة تُمهد للقطيعة مع الماضي
من أخطر الأدوات الإعلامية في رمضان، اللجوء إلى الدراما لإعادة سرد التاريخ بمنظورٍ مشوّه. فبعض المسلسلات تُقدّم شخصيات الصحابة، أو شخصيات تاريخية إسلامية، في صورةٍ لا تتماشى مع الروايات الموثوقة، مما يخلق انطباعًا مُغايرًا لحقيقتهم ويُمهّد لقبول أفكارٍ تُضعف الارتباط بالرموز الدينية.
الدليل؟
أحد المسلسلات، الذي مُنع من العرض في مصر، حاول تقديم رواية جديدة عن أحد الصحابة، تتنافى مع السردية الإسلامية الموثوقة، ما أثار موجة رفض واسعة من علماء الدين والمؤرخين. هذه ليست مجرد "إعادة قراءة" للتاريخ، بل محاولة لتفكيك الصورة النقية للرموز الإسلامية، مما يُسهِّل التشكيك في الإرث الديني لاحقًا.
3. الهجوم المُمنهج في قنوات إخوانية على الدولة: زرع الكراهية وخلخلة الثقة
لم يكن الإعلام الإخواني بعيدًا عن هذه الحرب، حيث تستغل بعض القنوات شهر رمضان لعرض مسلسلات تُصوِّر مؤسسات الدولة، كالقضاء والشرطة، في صورةٍ مُهترئة، بهدف خلق فجوة نفسية بين المواطن والدولة. هذه الأعمال لا تكتفي بانتقاد الفساد أو الأخطاء، بل ترسم صورةً سوداويةً تُوجّه رسالة بأن الدولة ككل فاشلة أو مستبدة.
الدليل؟
إحدى القنوات المعروفة بتوجهاتها الإخوانية، عرضت مسلسلًا دراميًا يظهر فيه أبطال القصة وهم ضحايا تعسف القضاء والشرطة، مما يُرسّخ صورة نمطية بأن المؤسسات الأمنية والعدلية أداة للقمع وليست لحفظ النظام. هذا النوع من الدراما ليس بريئًا، بل يخدم أجندات تسعى لضرب استقرار الدول عبر زعزعة ثقة المواطنين في مؤسساتهم.
4. ترويج الخرافة: الدراما كأداة لشلِّ العقل النقدي
رغم التقدم العلمي والتكنولوجي، نجد بعض المسلسلات الرمضانية ما زالت تستحضر الشعوذة والدجل، حيث تُروَّج طقوسٌ غامضة وتعويذات غريبة مثل "البرهاتية" و"الجلجلاتية"، مما يُرسّخ لدى المشاهدين فكرة وجود قوى خفية تحكم مصيرهم.
الدليل؟
في بعض المسلسلات، يتم تقديم الدجالين على أنهم أصحاب قدرات خارقة، بينما يُصوَّر الإيمان بالله أو اللجوء للعلم والمنطق كأمر غير كافٍ لحل المشكلات. هذا الترويج للخرافة لا يخلق فقط بيئةً خصبةً للنصب والاحتيال، بل يسهم في تشكيل عقولٍ مُستلبة، سهلة التلاعب، وغير قادرة على التفكير النقدي.
الحل؟ لا للمشاهدة السلبية!
ليس الحل في الامتناع عن المشاهدة، بل في فهم ما وراء السرديات الخفية، وتنمية وعي الأجيال الجديدة تجاه خطورة هذه الرسائل. يجب أن يكون لدى الأسر القدرة على نقد المحتوى وطرح الأسئلة الجوهرية:
مَن المستفيد من تشويه الرموز الدينية؟
لماذا تُقدَّم مؤسسات الدولة دائمًا في صورة العدو؟
كيف تُحوِّلنا الخرافة إلى مجتمعاتٍ سهلةِ الاختراق؟
المعركة الحقيقية: بين الوعي والتلاعب
ما يجري في رمضان ليس مجرد صراع بين "التقليدي والحديث"، أو بين "التسلية والرسائل الهادفة"، بل هو معركة على الهوية. هل نترك عقولنا أسيرة لسردياتٍ تُميت ذاكرتنا، أم نُنمّي وعيًا قادرًا على مقاومة التلاعب الإعلامي؟
إن رمضان ليس فقط شهرًا للعبادة، بل أيضًا موسمٌ لإعادة تشكيل العقول. فإما أن نكون مجرد مستهلكين سلبيين، أو أن نُمسك بزمام وعينا، ونُعيد قراءة ما يُعرض أمامنا بعين الناقد الواعي، لا المُتلقي المُستلب ،دمتم في رعايه الله .
حفظ الله وعي الأمة، ووقانا شرّ التضليل الإعلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق