بقلم✍اهاب حمدي درويش
في حياتنا اليومية، نتحرك وسط زحام الكلمات، نسمعها، ننطق بها، نبعثرها هنا وهناك، دون أن نتوقف لحظة لنقيس وزنها، لنرى كيف تهبط على القلوب، كنسيم الفجر أم كحجر ثقيل يلقي بظله على الروح؟
الكلمات ليست مجرد حروف متراصة، إنها طاقة، موجة تتردد في الأفق، إما أن تضيء كنجمة في ليل حالك، أو أن تشتعل كشرارة في هشيم الجراح. كم من كلمة قيلت على سبيل المزاح، لكنها حفرت في النفس جرحًا لا يلتئم؟ وكم من عبارة جاءت في لحظة صفاء، فكانت بلسمًا لمن أرهقته الحياة؟
الكلمة: بين البناء والهدم
تخيَّل أنك تمسك بحجر صغير، تلقيه في ماء راكد، فتتسع الدوائر حوله حتى تصل إلى أبعد نقطة. كذلك الكلمة، تخرج من فمك فتنتشر، تلامس الأرواح، تسري في العقول، وقد تبقى أبد الدهر محفورة في ذاكرة أحدهم، إما كمصدر للدفء، أو كنقطة تحول مؤلمة.
النبي ﷺ لخص هذه الحكمة في كلمات قليلة، لكنها بليغة المعنى: "الكلمة الطيبة صدقة" (رواه البخاري ومسلم). إن كلمة واحدة قد تفتح أبواب الرجاء أمام قلب يائس، وقد تكون شفاءً لمن أنهكته الأيام. فما أجمل أن تكون كلماتنا مثل غيمة ماطرة في صحراء عطشى، لا كريح عاصفة تقتلع جذور الأمل!
مراعاة القلوب فنٌ لا يتقنه الجميع
كم مرة تحدثنا عن النعم التي نحياها أمام من يفتقدها؟ كم مرة روينا قصص سعادتنا لمن ينام كل ليلة على وسادة الحزن؟ لسنا سيئين، لكننا نغفل أحيانًا عن وقع كلماتنا. وهنا، يأتي درس الصيام ليوقظ فينا هذا الشعور، حين نجوع لندرك ألم الجوعى، وحين نعطش فنفهم معنى العطش الحقيقي.
الكلمة، كالرصاصة، إن خرجت لا تعود. لكنها ليست دائمًا أداة قتل، فقد تكون بلسان شخص حكيم، شفاءً ودواءً، طريقًا يمتد ليحمل الآخرين نحو النور.
الختام: الكلمة مسؤولية
نحن لسنا مجرد متحدثين، نحن صناع أثر. كلماتنا تشكّل الآخرين، تترك بصمات في نفوسهم، فإما أن تكون آثارًا جميلة، أو خدوشًا لا تزول. قبل أن نتكلم، لنسأل أنفسنا: هل ستحمل كلماتي دفئًا أم صقيعًا؟ أملًا أم خيبة؟ نورًا أم ظلمة؟
اللهم امنحنا ألسنة تزرع الخير، وقلوبًا تدرك قبل أن تنطق، وعقولًا تزن الكلام بميزان الرحمة والحكمة. آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق